الجمعة، 20 مارس 2015

المسرح والجمهور

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

المسرح والجمهور
 
يعتبر المسرح في المجتمع العربي عامة والليبي خاصة شيء مستحدث .. لم يعرف الا منذ زمن قريب وقريب جدا اذا ما استثنينا بعض الاشكال البدائية شبه المسرحية كالاعياد والاحتفالات الشعبية المختلفة .. لقد برع العرب في ميدان الشعر ورغم ان الشعر يحتوي على عنصر الصراع لكنه لا شك له شكله الخاص وللمسرح شكله الخاص به أيضا .. فلم يعرف العرب المسرح الا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي على يد (( مارون نقاش )) حيث قدم مسرحية البخيل في بيته ببيروت عام 1848 .. اما في بلادنا ليبيا فكانت البداية مع مسرحية (( شهيد الحرية )) لمحمد قدري المحامي سنة 1908 .. اذا في 1908 هي البداية انه لعمر قصير وقصير جدا لمعرفتنا بالمسرح هذا الفن الرائع والأستاذ الذي نذر نفسه لتعليم الشعوب فهو حقا أستاذ الشعوب
ولكن الأستاذ الذي  نذر نفسه لتعليم الجمهور لا يمكن له الاستمرار الا بالجمهور
اذا لا مسرح بلا جمهور ولا جمهور بلا مسرح .. فالمسرحية لا تكون مسرحية ممثلة الا لجمهور يحتشد هذا الجمهور لمشاهدتها في مكان واحد هو المسرح فمنهم المتعلم ومنهم الامي والكبير والصغير ...
اين المسرح وأين الجمهور ؟
المسرح عندنا لا جمهور له يحتشد لمشاهدته ويتابع نشاطه فقلة الجمهور المسرحي ترجع لعدم معرفتنا بالمسرح وماهيته وقلة المسارح التي تفتح أبوابها لاستقبال الجمهور .. فالمسرح ليس التركيز على العروض المسرحية وكثرتها فقط ولكن لا بد من أجهزة تدعم المسرح وتقف معه وتطوره .. فالدعاية الدعاية وحسن اختيار النصوص المسرحية ونشر الثقافة المسرحية بين الجمهور حتى يتذوق المسرح  ويعتاده
وانا كعضو في فرقة أهلية وهي (( المسرح الحر )) حاولت هذه الفرقة الاهلية نشر الوعي وجمهرة المسرح فذهبنا الى الجمهور أينما وجد في الصحراء وفي المدن وفي المدارس والكليات العسكرية .. والحقيقة ان مجهوداتنا الفردية آتت اكلها وكونت قاعدة مسرحية جماهرية ولكن المجهود الفردي من فرقة واحدة يبقى مجهودا ضائعا اذ ما تبنيه قد يهدمه غيرك علينا اذا تكثيف الجهود من اجل خلق جمهور مسرحي ذواق يرتاد المسرح يميز بين الغث والسمين
ولنبدأ من المدرسة فالبحث عن جمهور مسرحي لا شك سيكون غير مجدي اذا ما صرفنا النظر عن المسرح المدرسي والذي لا زال وحتى هذه اللحظة نسيا منسيا اللهم الا بعض الجهود الفردية والتي قد تكون اقرب الى الشكل المسرحي من ان نطلق عليها مسرحيات فالقائمون على النشاط المدرسي هم لا شك جاهلون بالمسرح المدرسي اذا ما استثنينا بعض الزملاء خريجي معهد جمال الدين الميلادي للموسيقى والتمثيل وهم قلة واذا ما اردنا مسرحا مدرسيا علينا بتوجيه خريجي هذا المعهد لتدريس مادة المسرح بالمدارس وليس بتوجيههم الى المسرح الوطني ليكونوا قوة عاطلة تضاف الى القوة الإدارية العاطلة فمكانهم الحقيقي هو المدارس لنشر الثقافة المسرحية بين طلابنا وليس الجلوس في ردهات المسرح الوطني بطرابلس وليكن نشاطهم الفني كهواة بالفرق المسرحية في الفترة المسائية
و الخلاصة اذا ما استثنينا  نفر ممن  درسوا هذا الفن الجميل واجتهدوا فيه فلهم منا التحية .. فان القائمين على المسرح المدرسي هم لا شك على جهالة بالمسرح المدرسي واهميته ففاقد الشيء لا يعطيه .. وكما يقولون التلميذ من معلمه كالظل من عوده فكيف يستوي الظل والعود اعوج .
______________________________________
______________________________________________
مع تحيات :: سالم منصور يونس الطبيب

الأربعاء، 11 مارس 2015

فنجان قهوة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فنجان قهوة
 
في احدى الأيام المشمسة من فصل الربيع .. جلست في حديقة المنزل احتسي فنجان القهوة ... اتنقل بنظري بين ازهار وورود الحديقة ... أتأمل الوانها الزاهية واشكالها المتنوعة واستنشق عبيرها الفواح ... من الزنبق النرجس الورد العربي الفل الياسمين و شجيرة ليمون وأخرى للبرتقال مزهرتين
وبينما انا امتع نظري بهذا المشهد الخلاب الجميل .. لفت نظري مخلوق صغير جميل .. خفيف كالطير نشيط كالنمل يتنقل في خفة ورشاقة بين الزهور والورود .. يلثم هذه ويعانق تلك والورود والزهور في حالة انتشاء فاغرة افواهها .. تعانقه في لهفة وشوق يلف ويلف بينها يقف على النرجس ويمد شفتيه للزنبق .. يرفرف بجناحيه الصغيرين ويصدر طنينا خفيفا
كلما اقترب من احدى الورود مالت اليه بشوق وكأنها تريد ان تضمه اليها او تحضنه بين ذراعيها الغضة الطرية .. يلثم الرحيق والشهد من شفتيها النديتين .. يا لها من علاقة غريبة عجيبة ولكنها حميمة ربطت بين مخلوقين مختلفين عن بعضهما يجمعهما .. نداء الطبيعة الام
الكل في الطبيعة يؤدي دوره المناط به .. فالورود والزهور تلون الأرض بجمالها الأخاذ والوانها الساحرة .. فتلون البساتين والسهول والموائد  تنشر شذاها وعبيرها وعطرها الفواح في كل مكان فينجذب اليها النحل وكانه عاشق ولهان
ومقابل حصوله على رحيق الازهار والورود النحل ينقل بدوره بذور اللقاح من زهرة الى زهرة ومن وردة الى أخرى ... فتتكاثر عائلة الورود والزهور وتستمر في البقاء والانتشار ما دام النحل يقوم بإسداء هذه الخدمة الجميلة لها
انها علاقة تبادل المنافع بين المخلوقات في الطبيعة
دعاني فضولي للاقتراب من النحلة ومشاهدة ما يجري عن كثب ..عندما احست لنحلة بوجودي طارت مبتعدة وغادرت الحديقة تتبعتها بنظري الى ان اختفت خلف سور حديقة المنزل
عدت للجلوس في مكاني ولساني يردد سبحان الله العظيم الذي خلق كل شيء بميزان
__________________________________________-
 
مع تحيات :: سالم منصور يونس الطبيب  


السبت، 7 مارس 2015

السرادق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
السرادق
 
 يحكى انه في قرية من قرى ريفنا الهادئ الجميل البعيد عن التلوث الحضاري
عن رجل متوسط الحال متزوج وله خمس بنات وصبي لازال في المهد .. يكد في هذه الحياة من اجل توفير احتياجات هذه الاسرة ..
له حظيرة بها  بعض النعيجات والمعز وقليل من الدجاجات وديك حسن الصوت
.. تمد الاسرة بالحليب والجبن والزبدة والسمن والبيض .. ناهيك عن بيع انتاجها من الخراف والجديان والبيض لأدرار بعض المال
عاشت هذه الاسرة في كنف الوالد في سعادة ومحبة .. لكن الزمان ابى الا ان يرمي هذه الاسرة بسهم من سهامه فأصاب منها مقتلا ..
أصيب الوالد بمرض عضال لم يمضي على مرضه الا بضع أسابيع قليلة ..
في صباح احد الأيام قامت الزوجة من النوم مبكرا اعدت طعام الإفطار وطلبت من احدى البنات الخمس ان تحمل طعام الإفطار الى الوالد المريض في فراشه .. اقتربت الابنة من سرير الوالد وهي تقول صباح الخير يا ابي .. كيف حالك اليوم؟ .. لا جواب
اقتربت اكثر مدت يدها تتحسسه انه ببرودة الثلج لا حراك رفعت يده فهوت وكأنها ليست جزءا منه ..
صرخت الفتاة و ابتاه .. سمعت الام وبقية البنات صراخها هرعن يتدافعن الى حجرته .. ارتمين عليه يلثمن رأسه ووجهه وينادينه .. لا جواب لا جواب
سوى الاصداء تتكسر .. ملئ الصراخ والعويل بيت الاسرة المفجوعة .. سمع اخوته وأبناء عمومته وجيرانه الصراخ .. اسرعوا الى منزل الاسرة يتسألون ما الخبر
.. مات مات راعي الاسرة .. النسوة يصرخن يندبن خدودهن ويشققن جيوبهن في مشهد تراجيدي مروع 
اما الرجال فانصرفوا لبناء السرادق لاستقبال المعزيين من القرى الأخرى .. وبعد الانتهاء من مراسم الدفن .. نصبت القدور لطهي  الطعام ومواقد لأعداد  الشاي
وبدا المعزين في التقاطر على السرادق
عمد الرجال المكلفين بإعداد الطعام الى حظيرة النعاج والمعز وبدوا في ذبحها الواحدة بعد الأخرى .. واستمرت مراسم العزاء اليوم الأول والتاني والثالث والرابع والرجال في حركة ذؤبه بين الحظيرة وقدور اعداد الطعام .. الى ان أتوا على  اخر شاة من الشويهات .. ولم تبق الا الحظيرة خاوية على عروشها
فما كان من كبيرهم الا ان ذهب الى بيت الفقيد ونادى على ارملته .. جاءته تمشي على استحياء .. قدم لها تعازيه الحارة وان تصبر على مصابها الجلل
ثم قال دون حياء :: اذا ما ترك المرحوم بعض المال عليها ان تحضره اليه لشراء بعض الأغنام الأخرى لان اغنام الحضيرة قد ذبحت جميعها والمعزيين لا يزالون يتقاطرون على السرداق .. قالت المرأة نعم لقد ترك الفقيد الكثير .. انتظر قليلا حتى احضره لك .. غابت بعض الوقت ثم عادت اليه ومن ورائها بناتها الخمس والطفل تحمله بين ذراعيها اشارت الى البنات وقالت له .. هذا ما ترك لنا الراحل هؤلاء البنات الخمس وهذا الرضيع فعليك بذبحهن وتقديمهن طعاما للمعزيين .. اتقوا الله في اليتامى قد اتيتم على كل شيء تركتمونا على البلاط واستدارت عائدة الى البيت
ذهل الرجل تقهقر الى الخلف وكأنها طعنته بسكين في صدره قال حاشى لله ما قصدت هذا وعاد مسرعا الى السرادق يضرب كفا بكف وهو يقول لا حول ولا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله تجمع حوله الرجال مستفسرين عم حدث قصة عليهم القصة نظر بعضهم الى بعض نظرات كلها عتاب وندم وتأسف
وقالوا بصوت واحد يا لها من امرأة حكيمة
ومن ذلك اليوم تعاهدوا على نبذ هذه العادة السيئة في المأتم والا يعودوا لمثلها
ويكونوا لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة
فمن سنته صلى الله عليه وسلم صنع الطعام لأهل الميت من اقربائه وجيرانه وليس العكس
كما حدث عندما استشهد جعفر بن ابي طالب في معركة مؤتة
قال صلى الله عليه وسلم (( اصنعوا لآل جعفر طعاما فانه قد اتاهم امرا يشغلهم ))
دار حوار ونقاش حادين بين الرجال وفي نهاية الامر مد كل رجل منهم يده الى جيبه واخرج منه مبلغا من المال لتعويض الاسرة المفجوعة عن شياهها ومؤنها وعونا لها وغادر الجميع السرادق وقد تعلموا درسا من دروس الحياة
__________________________________
____________________________________-
 
مع تحيات : سالم منصور يونس الطبيب