السبت، 7 مارس 2015

السرادق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
السرادق
 
 يحكى انه في قرية من قرى ريفنا الهادئ الجميل البعيد عن التلوث الحضاري
عن رجل متوسط الحال متزوج وله خمس بنات وصبي لازال في المهد .. يكد في هذه الحياة من اجل توفير احتياجات هذه الاسرة ..
له حظيرة بها  بعض النعيجات والمعز وقليل من الدجاجات وديك حسن الصوت
.. تمد الاسرة بالحليب والجبن والزبدة والسمن والبيض .. ناهيك عن بيع انتاجها من الخراف والجديان والبيض لأدرار بعض المال
عاشت هذه الاسرة في كنف الوالد في سعادة ومحبة .. لكن الزمان ابى الا ان يرمي هذه الاسرة بسهم من سهامه فأصاب منها مقتلا ..
أصيب الوالد بمرض عضال لم يمضي على مرضه الا بضع أسابيع قليلة ..
في صباح احد الأيام قامت الزوجة من النوم مبكرا اعدت طعام الإفطار وطلبت من احدى البنات الخمس ان تحمل طعام الإفطار الى الوالد المريض في فراشه .. اقتربت الابنة من سرير الوالد وهي تقول صباح الخير يا ابي .. كيف حالك اليوم؟ .. لا جواب
اقتربت اكثر مدت يدها تتحسسه انه ببرودة الثلج لا حراك رفعت يده فهوت وكأنها ليست جزءا منه ..
صرخت الفتاة و ابتاه .. سمعت الام وبقية البنات صراخها هرعن يتدافعن الى حجرته .. ارتمين عليه يلثمن رأسه ووجهه وينادينه .. لا جواب لا جواب
سوى الاصداء تتكسر .. ملئ الصراخ والعويل بيت الاسرة المفجوعة .. سمع اخوته وأبناء عمومته وجيرانه الصراخ .. اسرعوا الى منزل الاسرة يتسألون ما الخبر
.. مات مات راعي الاسرة .. النسوة يصرخن يندبن خدودهن ويشققن جيوبهن في مشهد تراجيدي مروع 
اما الرجال فانصرفوا لبناء السرادق لاستقبال المعزيين من القرى الأخرى .. وبعد الانتهاء من مراسم الدفن .. نصبت القدور لطهي  الطعام ومواقد لأعداد  الشاي
وبدا المعزين في التقاطر على السرادق
عمد الرجال المكلفين بإعداد الطعام الى حظيرة النعاج والمعز وبدوا في ذبحها الواحدة بعد الأخرى .. واستمرت مراسم العزاء اليوم الأول والتاني والثالث والرابع والرجال في حركة ذؤبه بين الحظيرة وقدور اعداد الطعام .. الى ان أتوا على  اخر شاة من الشويهات .. ولم تبق الا الحظيرة خاوية على عروشها
فما كان من كبيرهم الا ان ذهب الى بيت الفقيد ونادى على ارملته .. جاءته تمشي على استحياء .. قدم لها تعازيه الحارة وان تصبر على مصابها الجلل
ثم قال دون حياء :: اذا ما ترك المرحوم بعض المال عليها ان تحضره اليه لشراء بعض الأغنام الأخرى لان اغنام الحضيرة قد ذبحت جميعها والمعزيين لا يزالون يتقاطرون على السرداق .. قالت المرأة نعم لقد ترك الفقيد الكثير .. انتظر قليلا حتى احضره لك .. غابت بعض الوقت ثم عادت اليه ومن ورائها بناتها الخمس والطفل تحمله بين ذراعيها اشارت الى البنات وقالت له .. هذا ما ترك لنا الراحل هؤلاء البنات الخمس وهذا الرضيع فعليك بذبحهن وتقديمهن طعاما للمعزيين .. اتقوا الله في اليتامى قد اتيتم على كل شيء تركتمونا على البلاط واستدارت عائدة الى البيت
ذهل الرجل تقهقر الى الخلف وكأنها طعنته بسكين في صدره قال حاشى لله ما قصدت هذا وعاد مسرعا الى السرادق يضرب كفا بكف وهو يقول لا حول ولا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله تجمع حوله الرجال مستفسرين عم حدث قصة عليهم القصة نظر بعضهم الى بعض نظرات كلها عتاب وندم وتأسف
وقالوا بصوت واحد يا لها من امرأة حكيمة
ومن ذلك اليوم تعاهدوا على نبذ هذه العادة السيئة في المأتم والا يعودوا لمثلها
ويكونوا لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة
فمن سنته صلى الله عليه وسلم صنع الطعام لأهل الميت من اقربائه وجيرانه وليس العكس
كما حدث عندما استشهد جعفر بن ابي طالب في معركة مؤتة
قال صلى الله عليه وسلم (( اصنعوا لآل جعفر طعاما فانه قد اتاهم امرا يشغلهم ))
دار حوار ونقاش حادين بين الرجال وفي نهاية الامر مد كل رجل منهم يده الى جيبه واخرج منه مبلغا من المال لتعويض الاسرة المفجوعة عن شياهها ومؤنها وعونا لها وغادر الجميع السرادق وقد تعلموا درسا من دروس الحياة
__________________________________
____________________________________-
 
مع تحيات : سالم منصور يونس الطبيب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق