السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على هامش الحياة
تحلق افراد الاسرة المكونة من الاب والام وستة من البنين والبنات حول موقد النار
لتدفئة أجسادهم المرتعشة من البرد .. آه قالها الاب بحرقة ما اوصلنا الى هذه الحالة الانقطاع المتكرر للكهرباء ولساعات طويلة
حرك جمرات الموقد بعود خشبي بيده .. تطايرت شرارة من الموقد فلسعت يد ابنه الأصغر .. قفز من مكانه وتأوه ... اخد الاب لعابه على سبابته ومسح به مكان اللسعة
واستطرد
لقد عشت مراحل عمري في الظل وعلى هامش الحياة
طفولة بائسة .. اركض وراء غنيماتنا القليلة العجفاء .. اشعت الراس حافي القدمين .. ارتدي قميص بال اكل عليه الدهر وشرب .. وبيدي قطعة جافة من خبز امي الأسمر .. واذا ما نزل المطر تراني ابحث عن الكمى والفطر وما يؤكل من الخضروات والفواكه البرية .. والج الكهوف والمغارات واتسلق الجبال والأشجار بحثا عن اعشاش الطيور والحمائم للسطو على بيضها وفراخها فالجوع كما يقولون كافر
الاب يخرج من البيت مع طلوع الفجر ولا يعود الا في منتصف الليل وفي بعض الأحيان لا يعود الا بعد أسبوع او اكثر .. يكد ويتعب مقابل دريهمات قليلة لا تكفي لإعالة اسرة صغيرة تعيش تحت خط الفقر او لشراء ابسط متطلبات الحياة الضرورية صابرا محتسبا من اجل لقمة العيش المغموسة في الدم والعرق
هي الأخرى الام تعمل في شؤون البيت فمن جلب الماء من الصهاريج والغدران البعيدة الى جمع الحطب في زمهرير الشتاء وحر الصيف .. حافية القدين ترتدي رداء مهلهلا حارمه نفسها من كل شيء .. فيا له من زمن قاس اقسى من الحجارة بل اشد قسوة
الفقر سيده .. والجهل معلمه .. والمرض عنوانه
وكانت المرحة الثانية من عمري التعيس .. مرحلة مليئة من الإيجابيات والسلبيات .. انتقلنا من المجتمع الريفي الرعوي البعيد عن صخب الحياة الى المجتمع المدني ..
اصبحنا كالغراب الذي أراد ان يقلد طائر الحجل في مشيته فنسي مشيته فصار يقفز قفزا .. او كالببغاوات نقلد اهل الحضر بعقليتنا الريفية في أسلوب حياتهم .. فتهنا في عالما اختزل الوطن في شخصية الرجل الأول
انها مرحلة السلاح وحروب لا طائل من ورائها .. كحرب مصر .. تشاد ..اوغندا .. الغارة .. الحصار ... عشنا حياة الضنك والمستقبل المجهول طوابير طويلة امام الجمعيات الاستهلاكية المقيتة .. فيا لها من مرحلة كثرت فيها الاراجيف والوعود الزائفة ... كتوزيع الثروة .. واعالة الاسر الكبيرة .. وماذا يريد الشباب .. فعلا (( فأما الزبد فيذهب جفاء ))
وها نحن نعيش المرحلة الثالثة فطبيعة الانسان حبه للتغيير لعل فيه ما يحقق أحلامه .. وبخاصة الشباب الذين عانو التهميش والبطالة وعدم الاهتمام بمشاكلهم الكثيرة المزمنة .. فاحزموا حقائبهم وشدوا الرحال .. فوطئت اقدامهم بلدانا لم يحلموا في يوم من الأيام السفر اليها .. فتاهوا في مطارات العالم يلهثون وراء المستقبل المجهول ..
وكانت ثورة السابع عشر من فبراير
التحم بها الشباب ..وهللوا لها يدفعهم حلمهم الكبير في ان يحسنوا من ظروف معيشتهم وان يعيشوا الحياة بكل معانيها وان يلحقوا بركب الأمم الأخرى .. فكانوا كالغريق الذي يتشبث بقشة ولكن الأمواج العاتية ابت الا ان تقذف بهم الى المجهول مرة أخرى
تداعت علينا الأمم كتداعي الاكلة على قصعتها .. تقاتل اخوة الامس وتفرقوا شيعا واحزابا .. كتائبا ومجموعات متناحرة ما انزل الله بها من سلطان ..
فالهرج والمرج والسرقة والخطف والقتل .. من قبل اشخاص كالأشباح لم يكشف احد عن هويتهم
اكتبوا عني يا ابنائي :: لقد عشت على هامش الحياة .. من اجلكم تشبثت بحياة لا طعم لها .. اكد واتعب .. رغم ان الله تعالى حبى بلادنا بثروات تحسدنا عليها الكثير من دول العالم .. عشنا فقراء .. والملايين تحت اقدامنا وفي خزائن البنوك
فكنا بحق كالمارد لذي يكلف بحراسة الكنز الى ان يأتي من يأخذه فيرحل
عشنا المراحل الثلاث .. تحت سياط الجلادين ومصاصي الدماء والمرتشيين والسماسرة .. من أبناء جلدتنا الذين لا يفكرون برؤوسهم كباقي البشر
قد تكون سلبيتنا هي التي اوصلتنا لهذا .. او ربما حلمنا بحياة افضل في المستقبل .. تشبتنا بالحياة فجاءنا الموت من حيث لا ندري .. فعلينا اعمال رؤوسنا ولو لمرة واحدة
اننا لم نخسر المعركة بعد ولا زالت بارقة امل تلوح في الأفق .. فلنجعل من ثورة فبراير مرحلة التصالح ونبذا للخلافات ونزيل ما تراكم على ادمغتنا المعطلة
فنبني وطنا خاليا من كل مظاهر العنف .. ونشبك أيدينا اخوة متحابين فوق الأرض وتحت الشمس .. فالوطن يسع الجميع ^^
فمتى تقترب الشمس من رؤوسنا فتذيب ما تراكم
عليها من جليد متى ؟
_________________________________________-
مع تحيات
سالم منصور يونس الطبيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق